دراسات
إسلامية
من أوجه
تكريم المرأة
في الإسلام
حثها على
طلب العلم
ودورها في
تعليمه
بقلم: الأستاذ
صلاح عبد
الستار محمد
الشهاوي (*)
«على
الرغم من
الدعوة
العريضة
لتحرير المرأة
ورفع مستواها
في العصر
الحديث في
أمريكا وأوربا
وعلى الرغم من
وجود مدرسات
وطبيبات ومهندسات
لم تنبغ فيهم
المرأة التي
تكون لكبار الرجال
إماماً
يأخذون عنها
أو قدوة بينما
نجد في مختلف
عصور الإسلام
نساء لهن أثر
بالغ، خلّده
التاريخ حيث
كن للرجال
والنساء قدوة
وإماماً».
إن
الحديث عن
عناية
الإسلام
للمرأة
وإنزالها
مكانتها التي
تليق بها حديث
لا ينتهي
أبدًا ولا
يمكن أن
يتجاهله من له
أدنى بصيرة
بكتاب الله
تعالى وسنة
رسوله – صلى
الله عليه
وسلم - فالإسلام
قد احتفى
بالمرأة وحمى
واقعها في كل
أدوار حياتها.
احتفى بها في
بداية حياتها
وهي –
ابنه – فعاب
وحرم الوأد للبنات في
قوله تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ
الَّذِينَ
قَتَلُوا
أَوْلادَهُمْ
سَفَهًا
بِغَيْرِ
عِلْمٍ
وَحَرَّمُوا
مَا
رَزَقَهُمُ
اللهُ
افْتِرَآءً
عَلَى الله
قَدْ ضَلُّوا
وَمَا
كَانُوا
مُهْتَدِينَ﴾ (الأنعام: 140)
واحتفى
الإسلام
بالمرأة وأكرمها
– زوجة
– قال تعالى: ﴿وَمِنْ
اٰيٰتِهِ
أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا
وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذٰلِكَ
لاٰيٰتٍ
لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم:21).
وأوضح نوعية
التلاقي بين
الزوجين حيث
قال ﴿وَعَاشِرُوْهُنَّ
بِالْـمَعْرُوْفِ﴾ (النساء: 19)
وقال عليه
السلام
«خيركم خيركم
لأهله وأنا
خيركم لأهلي»
وأعتنى
الإسلام بها
(أُمًّا) فقرن
القرآن
الكريم بين حق
الله تعالى
وحق الوالدين
في قوله تعالى
﴿أَنِ
اشْكُرْ لِيْ
وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ
الْـمَصِيْرْ﴾ (لقمان :14) وقال
تعالى ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا﴾ (الأنعام:151)
وقوله – صلى
الله عليه
وسلم - لرجل جاء
إليه فقال يا
رسول الله «من
أحق بحسن
صحابتي؟ قال
أمك. قال ثم
من؟ قال أمك. قال
ثم من؟ قال
أمك. قال ثم من
قال أبوك».
ومن
عناية
الإسلام
بالمرأة أن
جعل لها الحرية
في أمرين: هما
أهم أمورها
لديها وهما
الزواج
والمال وليس
لأحد أن
يجبرها على
زواج من تكره
ولها أن ترفض
ما لا ترضى.
وجعل لها مطلق
الحرية في
مالها دون
نزاع أو تسلط
وصان الإسلام
سيرة المرأة
وحمى عرضها
كأكمل ما تكون
الصيانة
والحماية؛
حيث قال تعالى
في حق قاذفي المحصنات:
﴿وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ
الْـمُحْصَنٰتِ
ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَآءَ
فَأجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ
جَلْدَةً وَلا
تَقْبَلُوا
لَهُمْ
شَهَادَةً
أَبَدًا
وَأُولـٰئِكَ
هُمُ الْفٰسِقُونَ﴾ (النور:4). كما
احتفى
الإسلام
بالمرأة
فحثها على
العلم؛ لأن
العلم في
الإسلام يحتل
مكانة عالية
رفيعة فهو فرض
لازم على كل
مسلم ومسلمة
فالإسلام
يرفع من قدر
العلماء
ويجعل لهم
مكانة عالية رفيعة وينوه
بفضلهم في
آيات وأحاديث
كثيرة وفضل
العلم وأهله
معروف بنص
القرآن الكريم.
قال تعالى:
(يَرْفَعُ
اللهُ
الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا
مِنْكُمْ
وَالَّذِيْنَ
أُوْتُوْا
الْعِلْمَ
دَرَجٰتٍ
وَاللهُ
بِمَا
تَعْمَلُوْنَ
خَبِيْر) (المجادلة:11)
وفي السنة
النبوية
المطهرة «طلب
العلم فريضة
على كل مسلم»
وفي رواية أخرى
«وكل مسلمة»
رواه ابن ماجه
وغيره –
فالمسلم
والمسلة
سواء، فالمرأة مكلفة
كالرجال
تماماً ومن
هذا ما يظهر
في عبقرية
اللغة
العربية لغة
القرآن
الكريم من أن
كلمة إنسان
تطلق على
الذكر
والأنثى سواء
بسواء فلا
يُقال في اللغة
العربية
إنسانة وإنما
إنسان فقط
ومثل ذلك كلمة
زوج فالرجل
زوج المرأة
والمرأة زوج
الرجل.
وعند
الحديث عن
العلم
والمرأة
المسلمة لن نتحدث
عن المرأة
المسلمة
اليوم والتي
بلغت من العلم
ومن أوضاع
العمل مكانه
التفوق في
مجالات كثيرة
ليس أعظمها
أنها أصبحت
وبأعداد لا
تحصى أستاذة
جامعين في
مختلف فروع
المعرفة وليس
أعظمها أنها
تظفر
بالجوائز
المحلية والعالمية.
بل حديثنا عن
المناخ الذي
نشأت فيه المرأة
المسلمة وكيف
كان الإسلام
منذ البداية
حريصًا على
تعليمها ففي
عصر النبوة
العصر الذي لم
يكن بينه وبين
الجاهلية إلا
القليل قال –
صلى الله عليه
وسلم - فيما
روته عائشة
-رضي الله
عنها - «من
ولّى من أمر
هذه البنات
شيئاً فأحسن
إليهن كن
سترًا له من
النار» وليس
هناك إحسان
إلى البنات
خيرًا من
تعليمهن
وتأديبهن
هكذا كرم
الإسلام
المرأة وسوّى
بينها وبين الرجال
في حق التعليم
والتثقيف
وأباح لها أن
تحصل على ما
تشاء من فروع
العلم والمعرفة
فكان الإسلام
حاسماً في
وجوب تعليم
المرأة كل ما
يتصل بأمور
دينها
ودنياها كالعقائد
والعبادات
ومعرفة
الحلال
والحرام ولم
يفرض العلم
على المرأة من
قبيل تهذيبها
ورفع شأنها
كزوجة فقط بل
إن الفقهاء
أجازوا لها الانتفاع
بهذا العلم في
الشؤون
العامة في
الحياة ولم يفرق
الإسلام بين
الحرة والأمة
في مجال التعليم
والتهذيب
والتثقيف فقد
جاء في صحيح
البخاري أن
رسول الله –
صلى الله عليه
وسلم - قال: «أيما
رجل كانت عنده
وليدة – أي جارية – فعلمها
فأحسن
تعليمها
وأدبها فأحسن
تأديبها ثم
أعتقها
وتزوجها فله
أجران»، وفي
عهد النبي – صلى
الله عليه
وسلم - اجتمع
بالنساء
يوماً وقلن
لرسول الله
صلى الله عليه
وسلم غلبنا
عليك الرجال
فاجعل لنا
يوماً من نفسك
فوعدهن يوماً لقيهن
فيه فوعظهن
وأمرهن.
وقد
أثمر هذا
الاهتمام
بتعليم
المرأة بصورته
البسيطة في صدر
الإسلام عطاء
جدير
بالملاحظة
فعلى الرغم من
الدعوة
العريضة
لتحرير
المرأة ورفع
مستواها في
العصر الحديث
في أمريكا
وأوربا وعلى الرغم
من وجود
مدرسات
وطبيبات
ومهندسات لم
تنبغ فيهم
المرأة التي
تكون لكبار
الرجال إماماً
يأخذون عنها
أو قدوة بينما
نجد في مختلف
عصور الإسلام
نساء لهن أثر
بالغ خلده
التاريخ حيث كن
للرجال
والنساء قدوة
وإماماً.
فظهرت نساء فضليات
كانت لهن
ثقافة طيبة
وخاصة سيدات
بيت النبوة
اللاتي روين
السنة
وعلمناها
للناس وكن في
هذا مثلاً
للدقة والصدق
في الرواية عن
الرسول كما
يشهد بذلك
الحافظ
الذهبي في
مقدمة كتاب
الميزان حيث
يقول «لم يؤثر
عن امراة أنها
كذبت في حديث»
ويقول
الشوكاني في
كتابه (نيل
الأوطار): «لم
ينقل عن أحد
العلماء أنه
رد خبر إمرأة
لكونها إمرأة
فكم من سُنة
تلقتها الأمة
بالقبول عن
إمرأة واحدة
من الصحابة
وهذا لا ينكره
من له أدنى
نصيب من علم
السنة». ولم
يقف هذا القدر
من التعليم
عند رواية الحديث
بل أن فقه
المرأة
لتعاليم
دينها جعلها
تشارك الرجل
والجماعة في
الصلوات
المفروضة والصلوات
الطارئة
كصلاة الكسوف
وصلاة الجنائز.
وقد أفرزت هذه
الثقافة
أثرها في
السلوكيات الشامخة
للنساء في عصر
النبوة حيث
كانت النساء
مشاركات في
الحياة
العامة مما
يمكن أن نسميه
بلغة عصرنا «رعاية
الوافدين»
كما يؤثر عن – أم شريك – وكانت
إمرأة غنية من
الأنصار. يؤثر
عنها أنها
كانت عظيمة
الإنفاق في
سبيل الله
ينزل عليها الضيفان.
هذا بالإضافة
إلى المشاركة
في أعمال
القتال بسقي
المحاربين
ونقل الجرحى
ومداواتهم
ولا ينس
التاريخ دور
أم عمار الأنصارية
في الدفاع عن
الرسول صلى
الله عليه
وسلم يوم أحد .
وقبل
هذا كان
للمرأة
وبتأثير
ثقافتها
الإسلامية
حضور قوي فيما
يمكن تسميته
بلغة عصرنا «المجال
السياسي» حيث
هاجرن مع
الرسول صلى الله
عليه وسلم
فرارًا
بدينهن من
مجتمع الكفر
بل وشاركن بعد
ذلك في
الإنكار على
الحكم الظالم
والذي يشهد
بوعي المرأة
المسلمة ونضج
ثقافتها. وقبل
هذا وذالك لم
تتخلى المرأة
المسلمة عن
دورها الأول
المخولة له أولاً
وهو دورها في
بيتها وبيت
زوجها
وبتأثير من
ثقافتها
الإسلامية
كانت تجعل من
بيتها واحة
فواحة
لأولادها
وزوجها.
وقد
ترجم الحافظ
ابن حجر في
كتابه -
الإصابة في
تمييز
الصحابة-،
لثلاث
وأربعين وخمس
مئة وألف
إمرأة، منهن
الفقيهات
والمحدثات
والأديبات.
وذكر كل من
الإمام
النووي في
كتابه - تهذيب
الأسماء
واللغات-،
والخطيب
البغدادي في
كتابه - تاريخ
بغداد-،
والسخاوي في
كتابه - الضوء
اللامع لأهل القرن
التاسع-، وعمر
رضا كحالة في -
معجم أعلام
النساء-،
وغيرهم ممن
صنف كتب
الطبقات
والتراجم،
تراجم
مستفيضة
لنساء عالمات
في الحديث والفقه
والتفسير
وأديبات
وشاعرات.
* دور المرأة
المسلمة في
إثراء الحركة
العلمية:
كان
للمرأة
المسلمة دور
بارز في تعلم
العلم وتعليمه
وكانت
المتعلمة من
أرقى طبقات
المجتمع تتصدر
مجالس العلم
ويسعى إليها
طلاب العلم من
كل لون وفن
وكان العفاف
والاستقامة
ومتانة الخلق
والتصون يحمل
الناس على
إكبار هؤلاء النسوة
وتقديرهن.
فقد
كانت السيدة
عائشة - رضي
الله عنها -
وهي من هي
فقها ورواية
تراجع الصحابة
وتستدرك
عليهم وقد جمع
لها السيوطي
استدراكاتها
في كتاب أسماه
«الإصابة
فيما استدركته
عائشة رضي
الله عنها
مرجعًا في
أحكام الشرع.
قال مسروق:
«رأيت أصحاب
النبي – صلى
الله عليه
وسلم -
الأكابر
يسألونها في
الفرائض «وتعد
السيدة عائشة
من جملة الستة
الذين هم أكثر
الصحابة
علماً، فأمّ
المؤمنين
عائشة رضي الله
عنها، كانت من
أعلم الناس
بالقرآن والفرائض
والشعر وأيام
العرب
(التاريخ). قال
هشام بن عروة
يروي عن أبيه: -
ما رأيت أحداً
أعلم بفقهٍ
ولا بطبٍّ ولا
بشعرٍ من
عائشة-،.. كذلك
كانت -أم
الدرداء-الفقيهة
العالمة التي
وصفها النووي
بقوله
«اتفقوا على
وصفها بالفقه
والعقل
والفهم»
وكذلك كانت
الشفاء بنت
عبد الله
المهاجرة
القرشية تجيد
الكتابة
وكانت تعلم
الفتيات
القراءة
والكتابة
وولاها عمر بن
الخطاب - رضي
الله عنه -
قضاء الحسبة.
وكانت السيدة
حفصة بنت عمر
بن الخطاب رضي
الله عنهما إحدى
تلميذاتها
قبل زواجها من
النبي – صلى
الله عليه
وسلم - وتابعت
السيدة حفصة
التعليم بعد زواجها
من الرسول –
صلى الله عليه
وسلم - بأمر منه.
كما كانت عمرة
بنت عبد
الرحمن بن
أسعد فقيهة
عصرها (ت 98هـ
)وقد روى
الزهري عنها
كما روى عبد
الله بن أبي
بكر كما روي
يحيى بن سعيد
الأنصاري
وغيرهم
ووصفها بن سعد
بأنها عالمة
وكانت هي
وأخواتها في
حجر أم
المؤمنين عائشة
رضي الله عنها
وفي رعايتها
والسيدة سكينة
بنت الحسين
الفقيهة
العالمة يقول
عنها الأصفهاني.
عفيفة سليمة
برزة من
النساء تجالس
الآجلة من
قريش ويجتمع
لها الشعراء
والعالمة
الجليلة
السيدة فاطمة
بنت الحسين بن
علي، كانت من
أنبغ نساء
عصرها
وأكثرهن
علماً وورعاً،
وقد اعتمد على
روايتها كل من
ابن إسحاق وابن
هشام في تدوين
السيرة
النبوية. كما
كانت السيدة
شهدة بنت أحمد
بن الفرج التي
كانت تلقب
بفخر النساء
قال عنها «بن
خلكان» «كانت
شهدة من
العلماء
وكتبت الخط
الجيد وسمع
عليها خلق
كثير وكان لها
السماع
العالي ألحقت
الأصاغر
بالأكابر
وأشتهر صيتها
وبعد ذكرها».
والسيدة
نفيسة رضي
الله عنها-
نفيسة بنت
الحسن بن زيد
بن الحسن بن
علي- لقبت
بنفيسة
العلم، كانت
تحضر مجلس
الإمام مالك
بن أنس في
المدينة المنورة،
واشتهرت
بعلمها
وصلاحها،
وبعد انتقالها
إلى مصر،
أقامت مجلساً
علمياً كان
يحضره أشهر
علماء عصرها،
والتي بلغ من
علمها أن عُدَّ
الشافعي من
تلاميذها
فذكر ابن
خلكان أن الأمام
الشافعي كان
يحضر مجالس
العلم للسيدة نفيسة
وسمع عليها
فيه الحديث
وكان يفخر
بأنه تلقى
العلم علي
يدها، ولم
ينقطع عن
زيارتها والاستزادة
من علمها حتى
توفاه الله،
وكانت من المشيعين
له.
و«زينب
بنت عباس
البغدادية»،
كانت من أهل
الفقه
والعلم،
وكانت تحضر
مجالس شيخ
الإسلام ابن
تيمية. وشهدة
بنت الأبري الكاتب،
كانت من
المبرزين في
علوم الحديث،
وقد تتلمذ على
يديها عدد
كبير من
العلماء،
منهم ابن
الجوزي وابن
قدامة
المقدسي؛ وأم
حبيبة الأصبهانية
كانت من شيوخ
الحافظ
المنذري الذي ذكر
أنه حصل على
اجازة منها.
وفاطمة بنت
علاء الدين
السمرقندي
كانت فقيهة
جليلة، وكانت
ترد على زوجها
الشيخ علاء
الكاساني
صاحب البدائع
خطأه في الفقه
إذا أخطأ.
وفي
الأندلس نالت
المرأة
العربية
قسطاً وافرًا
من التعليم
والتثقيف لذا
لا عجب أن نجد
شاعرات
وأديبات
وفقيهات
أندلسيات كن
زينة المجالس
في الأدب
والفقه
والعلم وكان
لبعضهن منتديات
أدبية تضم علية
القوم وعظماء
الرجال –
كحفصة بنت
الحاج
الركونية – وولادة
بنت المستكفي
وعائشة
القرطبية
ونزهون بنت
القلاعي
الغرناطية
وسارة
الحلبية
وحسانة بنت
المخشى وأم
الكرام بنت
المعتصم بن
صمادح ولما
كانت المرأة
في الأندلس
على هذا القدر
من العلم
وتعليمه فلا
غرو أن يكن أساتذة
لمثل ابن حزم
فقيه الأندلس
فقد ذكر في كتابه
طوق الحمامة
قوله «وهن- أي
النساء-
علمنني
القرآن
وروينني كثيرًا
من الأشعار
ودربنني في
الخط» يقول
صاحب كتاب
«نزهة
الأسماع
والأبصار» عن
نموذج للمرأة
الأندلسية
المسلمة –ولادة
بنت المستكفي.
«أنها كانت
سرية النفس شريفة
الأصل لا تترك
أحدًا يتصرف
في مجلسها ولا
بالدرهم
الفرد» وكانت
المرأة
الأندلسية
المتعلمة
تتولى تدريس
الفتيات في
مراحل التعليم
الأولي حتى
إذا جاوزنها
إعتمدن في تحصينهن
علي بعض
المعلمين
الرجال أو
النساء وكن يذهبن
إلى المسجد
للتعليم بل إن
نشاطهن لم يقف
عند جد
الدراسة في
الأندلس فقط.
وإنما رحلن
إلى الخارج –
المشرق
العربي –
ليدرسن
كالرجال سواء
بسواء.
وفي
الغرب
الإسلامي،
كانت فاطمة
الفهرية أم البنين،
التي بنت جامع
القرويين في
فاس في القرن
الثالث
الهجري، الذي
صار بعد فترة
وجيزة من
بنائه، جامعة
إسلامية هي
الأولى من
نوعها في
العالم
الإسلامي، بل
في العالم
كله، كانت
عالمة فاضلة
محسنة، كما
كانت أختُها
مريم، التي
بنت جامع
الأندلس في
فاس أيضًا.
ومن أشهر
المحدّثات في
الأندلس، أم
الحسن بنت
سليمان، ذكر
أنها روت عن
محدث الأندلس
«بقي بن مخلد»
سماعاً منه
وقراءة عليه،
وقد حجت
والتقت
بعلماء
الحجاز،
وسمعت منهم
الحديث
والفقه،
وعادت إلى
الأندلس ثم
حجت مرة ثانية،
وتوفيت في مكة
المكرمة.
ومن
المحدثات
الفقيهات في
الغرب
الإسلامي أيضاً،
أسماء بنت أسد
بن الفرات،
التي تعلمت على
يد أبيها صاحب
الإمامين
الكبيرين أبي
حنيفة ومالك
بن أنس، واشتهرت
برواية
الحديث
والفقه على
مذهب أبي حنيفة.
وخديجة
بنت الإمام
سحنون
العالمة
الجليلة التي
قال عنها
الإمام
القاضي عياض
في كتابه - ترتيب
المدارك
وتقريب
المسالك
لمعرفة أعلام مذهب
مالك-: -كانت
خديجة عاقلة
عالمة ذات
صيانة ودين،
وكان نساء
زمانها
يستفتينها في
مسائل الدين
ويقتدين بها
في معضلات
الأمور-. وقد
ذكر ابن حزم
في كتابه
الشهير
المترجم إلى معظم
لغات العالم -
طوق الحمامة
في الألفة والإيلاف-،
إن النساء في
الأندلس كن
يعملن في مهن
متعددة، منها
الطب
والدلالة
والتعليم
والصنائع
كالغزل
والنسيج، وقد
ذكر فيه أنه
تعلم عليهن في
صغره.
وفي
العصر
المرابطي
بالغرب
الإسلامي،
كانت تميمة
بنت السلطان
المغربي يوسف
بن تاشفين، من
البارعات في
العلم، كذلك
كانت أم عمرو
بن زهر أختُ
الطبيب
المشهور أبي
بكر بن زهر
ماهرة في الطب
النظري
والعملي.
وفي
العصر
المريني
بالمغرب،
اشتهرت نساء
عالمات، منهن
الفقيهة أم
هاني بنت محمد
العبدوسي،
والأديبة
العالمة صفية
العزفية.
وفي
العصر السعدي
بالمغرب
أيضًا،
اشتهرت نساء
عالمات، منهن
مسعودة
الوزكتية
التي اعتنت
بإصلاح
السبل، وبنت
القناطر
والجسور والمدارس.
وفي
أول عصر
الدولة
العلوية التي
تأسست في المغرب
في القرن
السابع عشر
الميلادي،
اشتهرت نساء عالمات،
منهن الأميرة
خناثة بنت
بكار، ورقية
بنت بن
العايش،
وصفية بنت
المختار
الشنقيطية.
وذكر
الخطيب
البغدادي في
تاريخ بغداد
عددًا كبيرًا
من النساء
العالمات
وتحدث عن
مجالسهن
العلمية وذكر
الحافظ
الذهبي
الدارسات للحديث
الموثقات. كما
ذكر الحافظ بن
عساكر في
«التنويه» أن
شيوخة كان من
بينهم بضع
وثمانون إمرأة.
وذكر أبو حيان
التوحيدي من
أساتذة ثلاثة
من النساء كان
وغيره يتلقون
العلم في
مجالسهن وهن – مؤنثة
الأيوبية بنت
الملك العادل
أخو صلاح الدين
الأيوبي –
وشامية
التميمية – وزينب
بنت المؤرخ
الرحالة عبد
اللطيف
البغدادي
صاحب كتاب -الإفادة
والاعتبار-.
وفي
العصور
الإسلامية
الوسيطة –
القرن السابع
الهجري – كان هناك
ثلة من
العالمات
المسلمات
صاحبات المنزلة
العالية في
العلم حتى
أنهن كن من
أصحاب مجالس
الأمالي منهن
- زينب بنت مكي
بن علي بن
كامل
الحراني(أم
أحمد) الشيخة
المعمرة العابدة
سمعت من أحمد
بن حنبل وابن
طبرزد و ست الكتبة
كما كان في
عصرها من هم
أكثر منها
علماً منهن
:صالحة ابنة
محمد بن خلف ،
وصفية ابنة مسعود.
كما
كان للمرأة
المسلمة دور
بارز في تلقى
العلم
وتعليمه
فظهرت المرأة
في حلقات
الأزهر فمنهن
صاحبة مجلس
علم وأخرى
كاتبة فكانت – أم زينب
(فاطمة بنت
عباس)
المعروفة
بالبغدادية
التي توفيت
عام 714هـ يسعى
إليها
العلماء
والفقهاء
والحفاظ.
لذا
فإن السخاوي
صاحب كتاب – الضوء
اللامع – قد عقد
جزءاً خاصاً
من موسوعته
لتراجم النساء
ذات الحيثيات
الأدبية
والعلمية
والسياسية في
عصره، مع ذكره،
أن المرأة في
عصره كانت
تتعلم لذات
العلم، فلم
تكن لتعلن عن
نفسها في شيء،
فكم من متعلمات
غفل عنهن،
لأنهن لم
يشتهرن لدى
الكاتبين، ولأن
ذوى الغيرة من
أوليائهن
يأنفون أن
يكون حديثهن
موضع لذيوع.
أما
جلال الدين
السيوطي
معاصر
السخاوي
وقريعه فقد
ختم كتابه – بغية
الوعاه-
بمسلسلات
قرأها على
فضليات من عالمات
النساء كما
كان يقرأ على
أعلام الرجال سواءً
بسواء، وقد
ذكر ممن قرأ
عليهن:
الأصيلة الثقة
الخيرة
الفاضلة
الكاتبة، أم
هانئ بنت الحسن
الهوريني،
كما قرأ علي
السيدات
الفضليات: هاج
بنت محمد، وأم
الفضل
المقدسية،
ونشوان بنت
عبد الله،
وكمالية بنت
أبي بكر، وأمة
الخالق بنت
العقبىٰ،
وفاطمة بنت
على
الفسطاطية،
وأمة العزيز
بنت محمد،
وخديجة بنت
الحسن بن
الملقن،
وغيرهن من
كبيرات
الفضليات. ومن
العلماء
الذين اعترفوا
بأستاذية
المرأة – العلامة ابن
الجوزي- فهو
ينقل دائماً
عن – شهرة
الكاتبة-
ويروي عنها
الحديث
والأدب والتاريخ،
ولشهرة
الكاتبة
ترجمة جليلة
في وفيات
الأعيان .
أما
المحدث
الكبير- أبو
مسلم
الفراهيدي –
فيروي الحديث
في عصره عن
سبعين عالمة
من الحرائر
والإماء، أما-
علاء الدين
السمرقندي – أشهر
عالم في عصره،
فقد كانت
ابنته
الفقيهة العلامة
فاطمة
العلائية
تحفظ تحفته
وتشرحها للطلاب
والطالبات مع
دقائقها
الأصولية
وخفاياها
الفقهية،
وكانت الفتوى
الدينية تصدر
عن أبيها
موقعة
بإمضائه
وإمضائها
معاً، حتى نهض
تلميذه
أبوبكر
الكاساني
الملقب – بملك
العلماء – فألف
كتاب –
البدائع في
شرح التحفة –
وقدمه لشيخه –علاء
الدين – ففرح
به، وقرأته
فاطمة فأعجبت
بعلمه وتخريجه،
وكان من وراء
رضا الوالد
وإعجاب
الفتاة أن نال
أبوبكر حظوة
قبولها
فأصبحت زوجته
وشريكة
حياته، فكانت
الفتوى تخرج
عقب ذلك من
بيت علاء
الدين
السمرقندي
موقعة بإمضاء
الشيخ الأكبر
وكريمته
وزوجها، فهي ذات
ثلاث (ثلاثة
توقيعات).
أما
– أم علي تقية –
العالمة
المصرية
الفاضلة،
فكان أبوها
أبو الفرج غيث
بن علي من
كبار النحاة
والقراء، وأما
هي فقد تتلمذت
علي الحافظ
المحدث – أبي
طاهر السلفي-
شيخ علماء
الإسكندرية
بعد أن حصلت
علم أبيها،
وكانت تخلص
للحافظ
إخلاصاً بعيداً،
وكان ينظر
إليها بعين
التقدير حتى
ليذكر في درسه
بعض آرائها
العلمية
لطلابه، وقد
زار والدها
ذات يوم،
فجرحت قدمه
بالمنزل
عفواً بتأثير
زجاجة صغيرة
ارتطم بها في
سيرة، فشق ذلك
على تلميذته
المخلصة،
وقدت من
خمارها شريطاً
لقدم
أستاذها،
وعصبت الجرح
ثم أسعفتها البديهة،
فقالت شعراً
ارتجالياً
يصور عاطفتها
نحو أستاذها،
ومنه:
لو
وجدت السبيل
جدت بخدي
عوضاً
عن خمار تلك
الوليدة
كيف
لي أن أقبل
اليوم رجلاً
سلكت
دهرها الطريق
الحميدة.
وقد
مدحت الملك-
المظفر-
بقصيدة بدأتها
بوصف مجالس
الأنس كما كان
المعتاد لدي
شعراء عصرها
فأعجب بها
الملك، ولكنه
تيسط مع بعض خاصته
فقال: لا شك أن
الشاعرة كانت
تعرف مجالس الأنس
في صباها
فوصفتها هذا
الوصف البديع!
وطارت الكلمة
إلي الشاعرة
العالمة
الحصيفة، فغضبت
لنفسها غضباً
مهذباً
مفحماً، إذ
أنشأت قصيدة
حربية تصف
فيها حلبة
الهول
واصطدام الأسنة،
واشتجار
الرماح وصفاً
رائع المنحى
جيد الصورة،
ثم تقدمت بها
إلي الملك
المظفر قائلة
في أدب جمّ: إن
علمي بمجالس
الأنس كعلمي
بحلبات
القتال،
فأطرق الملك
معتذراً.
ويذكر
«الجبرتي» أن
فقيهة عمياء
كانت تحضر دروس
الشيخ عبد لله
الشرقاوي شيخ
الجامع
الأزهر في أوائل
القرن الثاني
عشر الهجري.
وذكرت عائشة
التيمورية
أنها كانت
تحضر العلوم
اللغوية والشرعية
على يد عالمات
حضرن من
الأزهر مثل
فاطمة الأزهرية
وستيته
الطبلاوية.
وفي
العصر
الحديث، وإلى
حدود مطلع
القرن التاسع
عشر، عرفت مدينة
فاس، السيدة
العالية بنت
الشيخ العلامة
الطيب بن
كيران، التي
كانت تدرّس
علم المنطق في
مسجد الأندلس
بفاس، وتخصص
حصصاً للرجال وأخرى
للنساء. كذلك
كان الأمر في
مناطق أخرى من
العالم
الإسلامي، في
مصر والشام،
وبلاد الرافدين،
وفي فارس
وتركيا،
وبلاد ما وراء
النهر، وفي
الهند، حيث
نجد العلامة
أبا الحسن علي
الندوي
الحسني، يذكر
انه تعلم على
أيدي نساء من
بيت أسرته كن
متفوقات في
العلوم
الشرعية والأدبية،
وكان لأخواته
مشاركة
ملحوظة في الأدب
والشعر.
كما
ذكر أحمد لطفي
السيد، أنه في
سن العاشرة، وكان
ذلك عام 1882م – أتم حفظ
القرآن
الكريم على يد
سيدة فاضلة
تدعي الشيخة
فاطمة ويقول:
إلي هذه
السيدة يرجع
فضل تنشئتي
الأولي في تلك
السنين.
وحصلت
الشيخة فاطمة
العوضية من
معهد طنطا الديني
على العالمية
عام 1911م بعد
امتحان تفننت
لجنته في
إرهاق
الطالبة
بأسئلته
العويصة. كما كانت
السيدة «سكينة
حسن» أول
قارئة قراٰن
تسجل بصوتها
آيات قرانيه
على أسطوانات
في مطلع القرن
العشرين.
والسيدة
منيرة عبده
والتي رتلت
القرآن
الكريم في
الإذاعات
الأهلية وكانت
كفيفة تضاهي
مشاهير
القراء في
زمانها مثل
الشيخ محمد
رفعت وكانت
تعقد في
منزلها جلسات
دينيه
وثقافية. والسيدة
زينب محمد
يوسف أشهر
محفظة قرآن
كريم حفظت
القرآن
وعمرها 9
سنوات. وغيرهن
كثيرات في هذا
المجال.
وفي
المرحلة
المعاصرة،
نبغت نساء
مسلمات في ميادين
العلوم
والآداب،
ووصلت بعضهن
إلى درجة
عالية من
التفوق
العلمي في
المجال الذي
تخصصن فيه،
ولا تزال
الجامعات في
العالم
الإسلامي
تشهد ظاهرة
تفوق الإناث على
الذكور،
ونبوغ بعض
الأسماء
اللامعة في حقول
البحث
العلمي، في
مختلف أقطار
العالم الإسلامي.
ولقد
سجل التاريخ
الإسلامي
نبوغ المرأة
المسلمة
وإسهاماتها
المتميزة في
حقول العلم والمعرفة،
في العديد من
الأقطار
الإسلامية، في
وقت لم يكن
فيه للمرأة في
المجتمعات
الأخرى، أي
إسهام يذكر،
في أي حقل من
حقول النشاط العقلي.
وهكذا
يكفي المرأة
المسلمة
العربية
فخرًا واعتزازًا
أنه في الوقت
الذي كانت فيه
مثيلاتها
الأوربية تغط
في نوم عميق
كانت هي في
أعلى درجات
العلم
والتقدير
بفضل الإسلام الذي
حثها على طلب
العلم بل
وتعليمه
أيضًا.
إن
هذه الحقائق
التاريخية
تثير في
نفوسنا الاعتزاز
بإسهامات
المرأة
المسلمة في
بناء الحضارة
العربية
الإسلامية،
وتحفزنا إلى
تمكين المرأة
المسلمة
المعاصرة من
ولوج ميادين العلوم
والنبوغ فيها
كافة، وتوظيف
قدراتها وملكاتها
لدعم التنمية
الشاملة في
مجتمعاتنا
الإسلامية،
في ظل قيم
الإسلام
السمحة، وبما
يستجيب
لمتطلبات
التطور
الاجتماعي
والاقتصادي في
عالمنا
المعاصر.
وبذلك يتجدد
هذا الإسهام العلمي
للمرأة
المسلمة الذي
تميزت به
الحضارة
العربية
الإسلامية
عبر العصور.
ولعل
هذا من أهم التحديات
التي تواجهنا
اليوم،
فالعالم الإسلامي
يتطلع إلى
نهضة علمية
شاملة يشارك
فيها أبناؤه
من الرجال
والنساء
جميعاً،
وتحافظ على
الثوابت،
وتجتهد ما
وسعها
الاجتهاد في التعامل
مع المتغيرات
وفي ما يحقق
مقاصد الدين
الحنيف حتى
تؤتي أكلها،
وتنقل
المجتمعات الإسلامية
إلى مستقبل
أكثر تقدماً
وأوسع
ازدهارًا وأينع
ثمارًا...
والله
الموفق.
* *
*
(*) دمشيت – طنطا – مصر.
هاتف محمول : 0109356970(002)
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم
ديوبند ،
جمادى
الثانية - رجب 1435
هـ = أبريل -
مايو 2014م ،
العدد : 6-7 ،
السنة : 38